الشعر في فخر الرجال: سلاسل وقيود
يقول عنترة بن شداد:
فخْرُ الرجالِ سلاسلٌ وَقيُودٌ
وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودٌ
وإذا غبار الخيل مد رواقة
سُكرى بهِ، لا ما جنى العُنقودُ
يا دهرُ، لا تبقَ عليَّ فقد دنا
ما كنتُ أطلبُ قبلَ ذا وأريدُ
فالقتلُ لي من بعد عبلةَ راحةٌ
والعيشُ بعد فراقها منكودُ
يا عبلة! قد دنتِ المَنِيّةُ فاندبي
إن كان جفنك بالدموع يجودُ
يا عبلة! إن تبكي عليَّ فقد بكى
صَرْفُ الزمانِ عليَّ وهو حسودٌ
يا عبلة! إن سَفكوا دمي ففَعائلي
في كل يومٍ ذكرهنّ جديدٌ
لهفَى عليكِ إذا بقيتِ سبيةً
تَدعين عنترة وهو عنكِ بعيدُ
ولقد لقيتُ الفُرْسَ، يا ابنة مالكِ
وجيوشها قد ضاق عنها البيدُ
وتموجُ موجَ البحرِ إلا أنها
لاقتْ أسوداً فوقهنَّ حديدٌ
جاروا فَحَكّمْنا الصَّوارمَ بيننا
فقضتْ وأطرافُ الرماحِ شهودٌ
يا عبلة! كم من جحفلٍ فرّقتهُ
والجوُّ أسودُ والجبالُ تميدُ
فسطا عليّ الدهرُ سطوة غادرٍ
والدهرُ يبخلُ تارةً ويجودُ.
شعر: لقد حُييتُ يا صعلوك
يقول السليك بن عمرو:
لَحَى اللّه صعلوكاً، إذا جَنّ ليلُهُ
مصافي المشاشِ، آلفاً كل مجزرِ
يَعُدّ الغنى من نفسه، كلّ ليلةٍ
أصابَ قِراها من صديقٍ ميسّرٍ
ينامُ عِشاءً ثم يصبحُ ناعساً
تَحُثّ الحصى عن جنبِهِ المتعفّرِ
يُعينُ نساء الحيّ، ما يَستعينهُ
ويمسي طليحاً كالبعيرِ المحسرِ.
شعر: أصحى قلبه عن سكره فتأملوا
يقول أوس بن حجر:
وإنّي امرؤٌ أعددتُ للحربِ بعدما
رأيتُ لها ناباً من الشرِّ أعصلا
أصمَّ رُدَيْنِيّاً، كأن كُعوبَهُ
نوَى القسبِ عرّاصاً مزجّاً منصوباً
عليه كمصباحِ العزيزِ يشبّهُ
لفصْحٍ ويَحشوه الذبالَ المفتلا
وأملسَ صوليّاً كنيهي قرارٍ
أحسّ بقاعٍ نفحَ ريحٍ فأجفلا
كأن قرون الشمسِ عند ارتفاعِها
وقد صادفتْ طلقاً من النجومِ أعزَلا
تردّدَ فيه ضوءها وشعاعها
فأحسنْ وأزينْ بامرئٍ أن تسربلا
وأبيضَ هِنْديّاً كأن غِرَارَهُ
تألألُ برَقٍ في حَبِيٍّ تكلّلا
إذا سُلّ من جفنٍ تأكّل أثرُهُ
على مثلِ مصحلةِ اللجين تأكلاً
كأنّ مدبّ النملِ يتبعُ الرُبى
ومدرجَ ذرٍّ خافَ برداً فأسهلا
على صفحتَيهِ من متونِ جلائهِ
ومبضوعةً من رأسِ فرعٍ شظيّةً
بطودٍ تراه بالسحابِ مجلّلا
على ظهرِ صَفْوانٍ كأنّ متونهُ
عللِنَ بدهنٍ يُزْلِقُ المتنزلا
يُطيفُ بها راعٍ يُجَشِّمُ نفسهُ
ليُكلِّيءَ فيها طرفَهُ متأملا
فلاقَى امرأً من مَيْدَعانَ وأسمحتْ
قرونتُه باليأسِ منها فعجَلا
فقال لهُ هل تذكرنَّ مخبِّراً.
شعر: ألا هُبّي بصحنكِ فصِبحينا
يقول عمرو بن كلثوم:
أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنَا
وَأَنْظِرْنَا نُخبِّركَ اليقينا
بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً
وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَد رُويْنَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوالٍ
عَصَيْنَا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا
وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَد تَوَّجُوهُ
بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِينَّا
تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْه
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنفِي المُوْعِدِينََا
وَقَد هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا
وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِينَا
مَتَى نَنْقُلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَا
يَكُونُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِينََا
يَكُوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ
وَلُهَوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِينََا
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا
فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُونَا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ
قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا
Nَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ
وَنَحْمِلُ عَنْهُمْ مَا حَمَّلُونَا
Nُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا
وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوفِ إِذَا غُشِيْنَا
بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّيِّ لُدْنٍ
ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَخْتَلِينَا
كَأَنَّ جَمَاجِمَ الأَبْطَالِ فِي\’هَا
وُسُوقٌ بِالأَمَاعِزِ يَرْتَمِيْنَا
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ القَوْمِ شَقًّا
وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَخْتَلِيْنَا
وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْدُو
عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا
وَرِثْنَا المَجْدَ قَد عَلِمَتْ مَعَدٌّ
Nُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِيْنَا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا
Nَجُذُّ رُؤُوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ
فَمَا يَدْرُونَ مَاذَا يَتَّقُونَا
كَأَنَّ سُيُوفَنَا منّا ومنْهُم
مَخَارِيْقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِينَّا
كَأَنَّ ثِيَابَنَا منّا ومنْهُم
خُضِبْنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِينَا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَافَ حَيٌّ
مِنَ الهَوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُونَّا
نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَدٍّ
مُحَافَظَةً وكُنَّا السَّابِقِينَّا
بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْداً
وَشَيَبٍ فِي الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَّا
حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعاً
مُقَارَعَةً بَنِيْهِمْ عَن بَنِينَا
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ
فَتُصْبِحُ خَيْلُنَا عُصَباً ثُبِينَا
وَأَمَّا يَوْمَ لا نَخْشَى عَلَيْهِمْ
فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَّا
بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْرٍ
نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالحُزُونَا
أَلاَ لا يَعْلَمُ الأَقْوَامُ أَنَّنَا
تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّنا قَدْ وَنيْنَا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَ أَحَدٌ عَلَيْنَا
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَّا
بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيْهَا قَطِينَّا
بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
تُطِيعُ بِنا الوشاةَ وَتَزْدَرِينََا
تَهَدَّدُنَا وَتُوْعِدُنَا رُوَيْداً
مَتَى كُنَّا لأُمِّكِ مَقْتَوِينَّا
فَإِنَّ قَنَاتَنَا يَا عَمْرَو أَعْيَتْ
عَلَى الأعداءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينََا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ
وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُوْنَا
عَشَوْزَنَةً إِذَا انقَلَبَتْ أَرَنَتْ
تَشُجُّ قَفَا المُثَقِّفِ وَالجَبِيْنَا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْرٍ
بِنَقْصٍ فِي خُطُوطِ الأَوَّلِينَّا
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْفٍ
أَبَاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِينَا
وَرَثْتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْهُ
زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينَّا
وَعَتَّاباً وَكُلْثُوماً جَمِيْعاً
بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الأَكْرَمِينَّا
وَذَا البُرَةِ الَّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَّا
وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ
فَأَيُّ المَجْدِ إِلَّا قَدْ وَلِيْنَا
مَتَى نَعْقِد قَرِينَتَنَا بِحَبْلٍ
تَجُذُّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِينَّا
وَنُوجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَارًا
وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِينَّا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازَى
رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَّا
وَنَحْنُ الحَابِسُونَ بِذِي أَرَاطَى
تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُوْرُ الدَّرِينَّا
وَنَحْنُ الحَاكِمُونَ إِذَا أُطِعْنَا
وَنَحْنُ العَازِمُونَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَحْنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا
وَنَحْنُ الآخِذُونَ لِمَا رَضِيْنَا
وَكُنَّا الأَيْمَنِينَ إِذَا التَقَيْنَا
وَكَانَ الأَيْسَرِينَ بَنُو أَبَيْنَا.